-A +A
علي بن محمد الرباعي
لم يكن لجارالله من سبيل لمقاومة البؤس إلا السفر وطلب الرزق في مظانه (ومن معه عين ورأس سوى سواة الناس)، إلا أنه بما لحقه من متاعب في طفولته، خصوصا بعدما أفزعته قطة سوداء ذات ليلة مظلمة ما شاف بعدها عافية، ولكثرة ما عرضته أمه على فقهاء عملوا له «محوة»، واقترحوا عليه حجبة أربعين يوما في غرفة مظلمة اكتمل بها ناقص الغزلة وغدا بين شباب القرية (صفقة)، وفي نهار جمعة اجتمع الجماعة في ظلة المسجد وقام العريفة قائلا: «يا جماعة الخير مقبرة أمواتكم ترعى فوقها الأغنام، وتمر عليها الزاملة والعاملة، وتتعرض لانتهاك حرمة الأموات، ولذا نقترح عليكم تسويرها»، وفرضوا على كل بيت عشرة ريالات، إلا أن جارالله فز من تحت حماطة المسجد، وقال «صاح الله عليكم إن كان تزربون على الأموات، والله ما خبرت ميت شرد من مقبرة»، فاستغربوا جميعا هذه الالتقاطة من مصفوق! شد رحاله، ولكنه عندما وصل إلى مكة لم يجد عملا، ولم يحتكم على أمل ولا وسيلة يستعين بها على معيشة يومه سوى الاحتيال، ومن خلال ورشة كبيرة بدأ بجمع سست شاحنات وخزنها في صندوق، وأشاع بين رفاق العمل أنه وجد كنزا، فجادوا عليه بالوجبات والثياب، وأوصوه أن يحمل كنزه ويغادر إلى الديرة، وتبرع أحد سائقي الشاحنات بتوصيله مجانا، ووصل الخبر للديرة، فاستقبلوه بالترحاب وأنزلوا صندوقه، وأقسم ما يفتحه إلا بعد عام، ففاز بالضيافة وزوجه أحد الوجهاء ابنته، وليلة العرس قال المبدع جريبيع (حي الله قصرا قر له جدر ونبكي*، وإذا دعيتك يا شريع المنع جب لي، تعبت من صفة قبيحة نازحوني، إن كان راع الما من الما ما رواني، شلوه يا جن اسفل الحنجور واهووه)، فرد عليه الفريد الزرقوي (إنه يقول الزرقوي نضحك ونبكي، اضحك مع الضاحك ولا هو من عجب لي، وابكي مع الباكي ولا هو من حزوني، وارمي مع أهل الحدقة بالمارواني، واشغب مع أهل الشيغبي واقول وه ووه)
* النبك في البدع الارتفاع. وسلامتكم.